وئام وهاب… حين يصبح الموقف هو الهوية

بقلم : ظل قاسيون
في زمنٍ تبدّلت فيه المفاهيم وتراجعت فيه المروءة السياسية، يخرج من بين ضجيج الخطابات رجلٌ ما زال يتعامل مع الكلمة كما يتعامل الجندي مع سلاحه: دفاعًا عن الأرض والكرامة والناس.
وئام وهاب ليس مجرّد شخصية سياسية لبنانية؛ بل هو تعبير عن مدرسة كاملة في الفهم الوطني، مدرسة لا تساوم على الثوابت ولا تُعيد صياغة الموقف وفق إملاءات الخارج، بل تنطلق من بوصلة واحدة: «كرامة الناس أولاً».
من يتابع مسار الرجل، يدرك أن حضوره لا يقوم على خطابٍ شعبوي، بل على وضوحٍ في الموقف وصلابة في المبدأ. فحين تعرّض جبل العرب لأقسى مراحل الحصار والتنكيل، كان وهاب من القلائل الذين لم يختبئوا خلف حسابات التوازنات، بل وقف علنًا ليقول إن السويداء ليست ساحة اختبارٍ لأحد، وإن دماء أبنائها ليست بندًا في أي تسوية. هذه اللغة الواضحة، التي قد تبدو عند البعض تحديًا، كانت عند الناس في الجبل عنوانًا للشرف والوفاء.
ما يميّز وهاب اليوم هو أنه تحوّل من شخصية سياسية إلى رمز وجداني لدى فئة واسعة من اللبنانيين والسوريين معًا.
في لبنان، بات يُنظر إليه باعتباره أحد الأصوات القليلة التي ما زالت تملك جرأة قول الحقيقة في وجه الاصطفافات المعلّبة، وفي سوريا صار اسمه مرتبطًا بموقف الدفاع عن السويداء وأهلها، في لحظةٍ كادت فيها الجغرافيا تُمحى والهوية تُستباح.
هنا، لم تكن المسألة موقفًا إعلاميًا أو مناورة سياسية، بل خيارًا وجوديًا لرجلٍ يدرك أن الدفاع عن أهله ليس ترفًا، بل واجبًا أخلاقيًا وسياسيًا في آن.
اليوم، وبينما يُلاحق وهاب بدعاوى ومذكرات مصدرها سلطات فقدت مصداقيتها، يتزايد الالتفاف الشعبي حوله بشكل لافت. فكل اتهامٍ يوجّه إليه يضيف إلى رصيده لا ينتقص منه، لأن الناس باتت تميّز بين من يحاكم لفساده ومن يُلاحق لموقفه. والواقع أن الدعوى الأخيرة التي وُجهت إليه لم تفعل سوى أن أكدت مكانته كصوتٍ حرّ لا يُطوَّع.
في المقابل، تحاول بعض الجهات السياسية والإعلامية منذ سنوات أن تشوّه صورته، وأن تُقدّم مواقفه في قالب استفزازي أو طائفي، لكنها تفشل في كل مرة، لأن الخطاب الذي يصدر عنه لا يقوم على كراهية أحد، بل على رفض الإلغاء والخضوع.
لقد قالها بوضوح: “لا نكره أحدًا، لكننا نرفض أن نُقتل صمتًا.”
ومن هنا تنبع قوته. فالناس تميل بطبيعتها إلى من يشبههم في شعوره بالكرامة والوجع، لا إلى من يبيعهم شعارات فارغة.
إن الشعبية المتصاعدة لوئام وهاب ليست وليدة صدفة، ولا نتيجة حملة دعائية، بل ثمرة مواقف متراكمة منسوجة بخيوط الصدق.
هو الرجل الذي بقي على خط النار السياسي والإعلامي، لا يهادن حين تُهدد الأرض، ولا يصمت حين يُهان الإنسان.
في عالمٍ يتقن المراوغة، اختار أن يكون صريحًا إلى حدّ الإزعاج، وصادقًا إلى حدّ المخاطرة، وهذا ما جعله اليوم أقرب إلى «ضمير الجبل» منه إلى زعيم حزب.
ربما تختلف معه في بعض التفاصيل، لكن يصعب أن تنكر أنه واحد من القلائل الذين لا يزالون يؤمنون بأن السياسة أخلاق قبل أن تكون سلطة، وأن الصوت لا يُخفض حين تُستباح الكرامة.
لقد دفع أثمانًا كثيرة لمواقفه، لكنه خرج من كل معركة أكثر رسوخًا في وجدان الناس، وأكثر حضورًا في الوعي العام، لأن من يقول «لا» في زمن الانحناء يكتب اسمه في سجل الموقف لا في أرشيف المناصب.
في النهاية، وئام وهاب لا يحتاج إلى تبرير، ولا إلى وسائط تُفسّر موقفه. يكفي أنه بقي ثابتًا عندما تغيّر الجميع، وصادقًا حين ندر الصدق، وصوتًا حين اختار الآخرون الصمت.
لذلك، لم تعد القضية اليوم قضية رجلٍ يُحاكم، بل قضية وطنٍ يفتش عن من تبقّى فيه من رجال الموقف.